info@zawayamedia.com
علوم

نواة الشيطان ومداعبة ذيل التنين... رمزان لسلاح مدمر

نواة الشيطان ومداعبة ذيل التنين... رمزان لسلاح مدمر

بعض المفاهيم العلمية تحمل أسماءً مخادعة. "الجدري الصغير" Variola minor مثلًا، قد يبدو لك أنّه أقل سوءًا من "الجدري العادي أو الكبير"  Variola major، ولكنه في الحقيقة وباء فتاك تسبب بآلاف الوفيات عبر التاريخ حتى تمكنت منظمة الصحة العالمية من القضاء عليه تماما في العام 1980، وإن نجى الشخص فإن آثار هذا الجدري تترك ندوبا مشوهة، بالمقابل لدينا هذا الشيء اللامتناهي في الصغر الذي نطلق عليه اسم "نواة الذرة المشعّة"، والذي أطلق عليه سابقا نواة الشيطان Demon Core، والتعامل معها كمداعبة ذيل التنين Tickling the Dragon's Tail، نظرا لخطورتها كسلاح مدمر، وأصبح المصطلحان رمزان لمخاطر التجارب النووية غير الحذرة.


وتعرف العملية التي تجعل القنبلة النووية تنفجر بالانشطار النووي (بعض الأنواع تعتمد على مزيج من الاندماج والانشطار)، فبوجود ذرة غير مستقرة، كاليورانيوم أو البلوتونيوم، فهي تطلق زوجًا من النيوترونات، وتتحول إلى ذرة أكثر استقرارًا، مطلقةً قدرًا من الطاقة، وهو أشبه بعملية تفريغ نفسي لكن للذرات الغير مستقرّة (المشعّة). النيوترونات تلك تصطدم بذرات أخرى، مسببة انشطارها أيضًا، وكل ذرة جديدة تطلق المزيد من النيوترونات، ممّا يؤدي إلى سلسلة تفاعل انفجارية إذا لم لم يتم ضبطها.


في نهاية الحرب العالمية الثانية، كان هناك قلب قنبلة نووية لم يُستخدم بعد، جالسًا بانتظار أن يعيث في الأرض فسادًا. والعلماء لم يكونوا ليتجاهلوه، فقد كان مليئًا ببيانات لم تُستكشف بعد. كان هناك الكثير من المجهول حول القنابل النووية، لكن شيئًا واحدًا كان معلومًا: هذه التجارب كانت بالغة الخطورة، حتى أنهم أطلقوا عليها اسم "مداعبة ذيل التنين". حركة واحدة خاطئة، وسيُطلق ذلك النواة الصغير العنان للتدمير.


أُطلق على النواة اسم "روفوس"، لكن الاسم لم يدم طويلًا، إذ لم تمر سوى أيام قليلة حتى حصد أولى ضحاياه، ليُعرف منذ ذلك الحين باسم "نواة الشيطان"، وبعد أسبوع من استسلام اليابان في أغسطس 1945، أجرى الفيزيائي هاري داغليان تجربة لقياس مدى اقتراب النواة من الحالة الحرجة، أحاط كتلة البلوتونيوم البالغة حوالي 7 كغ بقطع من كربيد التنجستن، ممّا أدّى إلى انعكاس النيوترونات المنبعثة نحوها، وبدأ العداد بالصراخ مُحذرًا من اقتراب البلوتونيوم من الحالة الفائقة.


فكّك داغليان التكوين بحذر، وكل شيء بدا على ما يرام... لبضع ساعات فقط. وفي لحظة، أسقط داغليان قطعة على النواة، وانبعث ضوء أزرق وانفجار حراري، ليوقظ التنين النائم من سباته. وفي محاولة يائسة، دفع داغليان القطعة بعيدًا لإيقاف التفاعل، لكن يده التي لامست الطوبة بدأت بالوخز، ثم احترقت بشدة، وتوفي بعد 25 يومًا نتيجة متلازمة الإشعاع الحاد.


أُعيدت مراجعة بروتوكولات السلامة إثر وفاته، وشُدّدت الإجراءات. لكن موريكا، كما نعرفها، قرّرت أن تعيد الكَرّة، في العام التالي، قام الكيميائي الفيزيائي الكندي لويس سلوتن بإجراء تجربة مماثلة أمام زملائه. استخدم قبة مصنوعة من البيريليوم لتغطية النواة وعكس النيوترونات نحوها، حتى تقترب من الحالة الحرجة، وكان عليه أن يُبقي فجوة صغيرة بين القبة والنواة لتسمح لبعض النيوترونات بالهروب وتمنع التفاعل الكامل. ولتحقيق ذلك، استخدم مفك براغي يُمسكه بيده، وهذا، بالطبع، لم يكن ضمن البروتوكول، انزلقت يده، وتكرّر مشهد الضوء الأزرق والحرارة من جديد، نجا سلوتن لتسعة أيام فقط. ومن بين السبعة الذين حضروا التجربة، توفي ثلاثة لاحقًا بأمراض يُعتقد أنها ناتجة عن التعرّض للإشعاع.


بعد الحادثة الثانية، قرّر العلماء (ربما أخيرًا) أن التحكّم بقلب قنبلة نووية باستخدام الطوب ومفكّات البراغي ليس بالفكرة السديدة، فأُوقفت التجارب، وتمّ صهر "نواة الشيطان" لتُستخدم في صنع أسلحة أخرى فيما بعد.


 

الدكتور هادي عيسى

الدكتور هادي عيسى

باحث لبناني

باحث في مجال علوم الأرض في جامعة الإمارات العربية المتحدة

تابع كاتب المقال: